أقطع أذاننا ولا تبالي
طلب السيد آل مجثل عضو مجلس الشورى السابق بقطع أذاننا نحن الأجانب قبل ترحيلنا إلى بلداننا ظنا منه أننا قد ضيقنا عليهم في العيش ونهبنا ثرواتهم وحولناها إلى أوطاننا. فعفوا يا أخي نحن لا ننكر أن أبوابا للرزق فتحت لنا في بلادكم وقدمنا إليها لأنها أرض العروبة ومهبط الوحي جئنا وقلوبنا معلقة بالبيت الحرام ومسجد المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام جئنا لنستنشق سماحة الإسلام ونقتفي أثر الصحابة الذين نشروا الدعوة في شتى بقاع الدنيا حتى وصلت إلينا جئنا إلى أرضكم لننهل من المعين ونلتمس سبلا للرزق في بلاد حباها الله وكرمها ببيته الحرام وفاض عليها من الأنعام نسأل الله أن يديمها ويحفظ أهلها. فهل في ذلك عيب أو جرم إقترفناه ؟
وحتى الهنود والأحباش يا أخي عبروا المحيطات والبحار وجاءوا إلي بلادكم لأن فيها ملوكا لا يظلم عندهم أحد.
أخي مجثل وعفوا إن تجرأت وكررت عبارة أخي ولكن ديننا الحنيف أمرنا بذلك (إنما المؤمنون إخوة) فلا ننكر أننا شاركناكم في الرزق وإقتسمنا معكم عيشكم ولكننا أيضا ساهمنا معكم بجهودنا في هذه الطفرة وفي بناء وإعمار أرض الحرمين وقبلة المسلمين فالكثيرين منا أفنوا زهرة شبابهم في خدمتكم فمنا من قضى نحبه ومنا من ينتظر( حتى تقطع أذنه ) وكثير من أبنائنا ولدوا في هذا البلد الأمين ويدينون له بالفضل والولاء ولا يعرفون الكثير عن موطنهم الأصلي.
فإن كان يا أخي لابد من قطع أذاننا وتوشيمنا كالأنعام وحتى لا يتشابه عليك البقر فيجب أن تضع الأوشام حسب وظائفنا وعدد السنين التي عشناها معكم فعامل البلدية الذى أفنى عمره في حمل أوساخكم أقطع أذنه في شكل برميل نفايات وكذلك الراعي أقطع أذنه على شكل خروف والمهندس على شكل عمارة والطبيب على شكل حقنة أو مغذية والمعلم على شكل تباشيرة وأكتب سنين الخدمة التي قضاها كل منا بجوار أذنه المقطوعة حتى إذا ذهبنا إلي أي مكان في الدنيا يعرفنا الناس بسيمانا التي في وجوهنا وأننا من قطعت أذاننا في بلاد الحرمين.
أخي الكريم أشكرك على سماحتك وكرمك بأنك لم تنادي بفقع أعيننا وأتحت لنا فرصة أن نشاهد منظار الحجاج في كل عام وهم في زي واحد يطوفون بالبيت الحرام ويقفون بعرفة ملبيين ومكبرين لا فرق بين أبيض وأسود ولا بين عربي وعجمي ولا بين غني وفقير كلهم يتقربون إلى الله وينشدون النجاة يوم لا ينفع مال ولا بنون إلأ من أتى الله بقلب سليم.
أخي مجثل أدعوك لتقلب كتب التاريخ أو أن تتواضع وتزور وادي النيل فإن شئت أبدأ بقاهرة المعز شمالا فستجد عبارة ( نورت مصر) في إنتظارك وستجد البسطاء يستقبلونك بالإبتسامة وروح الدعابة زور الإهرامات حيث الحضارة الضاربة في جزور التاريخ عرج على الأزهر منبع الإشعاع والنور في عصور الظلام تحسس طريق القوافل وشريان الحياة الذي كان يسير من مصر ليغزي بلاد الحرمين. ومن ثم إتجه إلى الخرطوم حيث ملتقى النيلين وأرض السمر والخضرة والجمال ستجد عبارات (جيدا جيتو وحبابكم عشرة) في إنتظارك سيغمرك الناس بالطيبة والكرم الفياض سنحكي لك عن حبنا لأرض الحرمين وحبنا للرسول صلى الله عليه وسلم سنحكي لك عن بطولات المهدي وعلي عبد اللطيف سنصطحبك إلى كردفان الغرة أم خيرا جوة وبرة سنحكي لك عن عثمان دقنة في الشرق وعلي دينار في الغرب سنريك الطريق الذي كانت تسلكه قوافل علي دينار إلى أرضكم ونيل شرف كسوته للكعبة كل عام وإطعام وإيواء حجاج بيت الله القادمين من أفريقيا. هذا ليس منا منا يا أخي ولكنه تاريخ يجب أن تتصفحه وتعيه جيدا. وقبل كل ذلك أقول لك إن أهلنا في الجزيرة سيقطعون لسانك ولكن ليس حدا كما طلبت أنت بل بالكرم الفياض وطيب المعشر وحب الآخرين فلن تجد عنصرية بغيضة أو كراهية للأجانب فقد غسلناها بماء النيل وتركناها لأنها من الجاهلية.
فإن كنت يأخي بعد كل ذلك تعتبر بقاءنا معكم جريمة يجب أن نحاسب عليها فأقطع أذاننا ولا تبالي ولكن لطفا أترك لنا جزءا حتى نضع عليه النظارات الطبية ونمسح به غبار السنين التي قضيناها في خدمتكم. والسلام أمان
د/ ياسر يوسف
الرئيسية 
